داحي البوب قبل طر الفجر
حيدر علي فك البوب فرح قلب زواره
طه ياسين الهاشمي ناصبي خبيث حكم العراق ، شدد على العزاء الحسيني ، ومنع ضروب متعدده منه ، في الكاظمية والنجف وغيرها ...
أيام حكومته المقبورة أصدر قرارات شديدة حول التطبير ، فأكد على منعه ، ناصبي وصرح بأن ستطلق النار على كل من يتطبر !
اضطربت النجف ، تحول شتاؤها البارد صيفاً لاهباً ! واحتار المؤمنون : ماذا نفعل ؟ ولكنه لم يكن يمهلهم ليجدوا حيلة ، بل بادر في اليوم السابع من المحرم .. وهجم على الحسينيات التي تخرج منها مواكب التطبير ، واعتقل أصحاب الحسينيات ورؤساء المواكب وزجهم في السجون .
وفي عصر اليوم التاسع من المحرم أمر باغلاق أبواب الحرم الشريف ، والابقاء على كبار خدام الروضة الحيدرية ، بما فيهم " الكليدار " داخل الصحن الشريف .
ثم جاءوا بمفرزة من قوات الشرطة من مناطق الشمال ، ولم تكن لغتهم عربية ، وتناقلت أوساط أنهم من الديانة اليزيدية ( عبدة الشيطان ) وقد رابطت هذه القوات داخل الصحن الشريف أيضا .
أما أهالي النجف فقد قرروا اللجوء إلى وادي السلام ويقيموا عزاءهم هناك ، فلبسوا أكفانهم ، وربط كل منهم على عضده قطعه من القماش كتب عليها : " روحي فداء للحسين " ... وكان الوضع في غاية التوتر ، وما كنت ترى في طرقات النجف إلا النساء ، وما كانت احداهن تخرج إلا ومعها سلاح أخيها وأبيها أو زوجها ، يخفينه تحت عباءتهن .
وفي المساء شاهد الناس عربة متوسطة تحمل مدفعا رشاشاً تتوجه لتستقر على قمة " جبل المشراق " .. وهو مرتفع يشرف على الوادي ويتسلط عليه .
واستمرت الأجواء في توتر يتصاعد كلما قربت الساعات المرتقبة ودنا موعد التطبير ... وقد انتشرت قوات الأمن حتى وكأن الأحكام العرفية قد فرضت ، وأن حكومة عسكرية تسلمت زمام الأمور !
كانت هذه القوات تحسب أن بقاءها منتظرة ، سيجعلها في موقع دفاعي يفقدها زمام المبادرة ، ويعرضها لتطورات غير مدروسة .
من هنا حددت الشرطة ساعة الصفر لتكون قبيل صلاة الفجر ، فالتطبير لا يكون إلا بعد أداء صلاة الفجر .
وفعلا ، فوجئ المطبرون بإطلاق عدد كبير من القنابل التنويرية ، التي حولت ليل النجف إلى نهار مسفر يميل إلى صصفرة تشبه الأيام المغبرة !
قرر المطبرون عدم الانتظار ...
رتلت سيوفهم أنغام العشق قبل موعده ، صاحوا " حيدر حيدر " وخرجوا من الوادي عدوا متدافعين ، فلما رأى الجنود المرابطون وراء المدفع الرشاش منظر المطبرين والدماء تشخب منهم والأكفان البضاء تحولت حمراء ... ملأهم الرعب ، فتركوا أسلحتهم بما فيها العربة والرشاش وفروا على وجوههم ! ( أحفاد ...... الفرار )
وقام الأهالي عندها بدفع العربة مع رشاشها ، حتى أوصلوها إلى قرب مبنى مركز البريد الواقع آخر السوق الكبير ...
واندفعوا بعد ذلك باتجاه الحرم الشريف بصيحاتهم وقاماتهم وهم يطبرون . يتقدمهم شخص يدعى ( عبج الأعمى ) وهو حامل البرزان ( البوق ) ...
ولم يكن حتى ذلك الحين قد نفخ في بوقه بعد ... أي لم يكن التطبير قد بدأ " رسمياً " وفقا للأعراف والتقاليد المتبعه ... وكان ينتظر الدنو والاقتراب من الحرم الطاهر حتى يشرع في نفخه في البرزان ...
فلما بلغ المطبرون مسافة مائة متر من الباب المتصل بالسوق الكبير ، توقف الجميع وحانت لحظة صمت مطبق ، لفت الأجواء بقدسية وهيمنة عجيبة ...
لحظات ...
انطلق البرزان بسلام تحية الأمير ( كما هي العادة في مواكب التطبير حيث يتم افتتاحها بالسلام من خلال البرزان " البوق " )
لم تمض ثوان معدودة على انتهاء (عبج) من نفيره حتى فوجئ الجميع بصوت فرقعه أقرب إلى الانفجار دوى وسط ذهول عارم !
لقد دكت أبواب الصحن الشريف كلها دفعة واحدة ! وانفتحت أمام المعزين ( حيث كان الجنود اليزيدين قد أحكموا غلقها ) ...
كأن المولى سلام الله عليه ، يفتح ذراعيه ليستقبل معزيه في ابنه وعزيزه الحسين عليه السلام ...
صوت الفرقعة الذي صحب انفتاح الأبواب كان مشابها لانفجار ، لكن من نوع غريب ! فلا حريق ، ولا دخان ، ولا ضرر بأحد ! حتى أن أشخاصاً كانوا ملتصقين بالباب وممسكين بعاضدته ومتعلقين بعروته ! مع أنه كان من القوة بحيث أن بقايا أخشاب الباب ماكانت تزيد في حجمها عن أعواد الكبريت !
الأبواب كانت مغلقة بسلاسل من الفضة ، مقفوله بأقفال عثمانة لا تفتح إلا بعد دوران المفتاح عليه عدة مرات ، الأبواب كانت بسمك شبر كامل ناهيك ما رص عليها ! كل هذا تهشم بفرقعة واحدة !!!
بعد ذلك دخل المطبرون الصحن الشريف ، اقتلعوا ألواحا غليظة كانت منصوبه فوق بئر في الصحن الشريف قرب مقبرة السيد محمد سعيد الحبوبي ، وهوو بها على أفراد الشرطة اليزيديين الذين فروا وخرجوا من الصحن الشريف ، ولم يبق إلا مأمور مركز النجف وهو ضابط متعجرف اسمه ( نامق ) طالما عانى أهالي النجف من ظلمه وجبروته ، ظفر به الأهالي واقفاً بحذائه المعروف ( كان يلبس حذاء ذا عنق طويلة تبلغ ركبتيه ، وقد اشتهر بين الأهالي بحذائه هذا ! ) على الشرفة المقابلة للضريح الشريف ( الطارمة ) فحملوه وألقوه على أم رأسه ثم داسوه وسحقوه بأقدامهم حتى هلك ...
عندها ارتجلت الهوسات ، واستقرت الجموع على صيحة وهتاف واحد وهو : " داحي البوب قبل طر الفجر" ..
وكان هذا هتافهم في التطبير، ثم طافوا مرتين بالصحن الشريف ، وخرجوا إلى بيوتهم ...
منذ تلك السنة التزم أهالي النجف هذا الهتاف في المستهلات التي يخرجون بها للعزاء ، وصارت من التقاليد والمراسم المتبعه في صبيحة كل عاشوراء حتى جاء صدام لعنه الله ومنع كل تلك المراسيم ...
هذه القصة متواترة لدى أهالي النجف من الجيل السابق ، بل حتى من جيلنا ، وهناك من الشهود الأحياء لهذه القضية أطال الله في أعمارهم ، الذين حضروا الواقعة بأنفسهم ...